28‏/03‏/2011

ذكري رحيل ثانيه


رحلتي من الشك إلي الإيمان
الفصل الثالث ( الروح)

تمكث في الثالثه بعد منتصف الليل في حجرته بالمستشفي تقرأ السطور في تركيز شديد نظراً للوحده والعزله والسكون اللائي يحطن بك .

جالساً أمام سريره تقرأ قليلاً ثم تنظر اليه من حين لأخر ، وأنت تعلم في داخلك ما الذي يحدث ، ولكنك تكذب حدسك .
مازلت تنظر اليه في قلق صامت ، وتعود إلي الكلمات وتنتقل عينيك رغماً عنك اليه .

تقرأ السطور وكأنك تمسك بكتاب الغيب بين يديك ، وكأنها الرساله التي أُرسلت اليك من العالم الأخر
لتقّرئك السلام والختام والنهايه .

تشرد قليلاً ثم تنهض وتقترب منه وتنظر اليه ساكنا بلا حراك.
تنظر الي صدره لتتأكد أن عيناك تراه يعلو ويهبط في إنتظام أو في خلل مايهم أن تري حركه .
تضع يدك أمام أنفه لتتأكد أنه مازال حياً ، وتضع أذنك علي صدره لتتحسس النبضات ، فتطمئن ولا تطمئن
وتعود مره أخرى إلي كتابك.

" إنك لن تشعر بالموت مره واحده ، بل إنك سوف تجرب الموت في كل مره تتعلق فيها بروح ثم تتركك هذه الروح وترحل "

وهذه الحياة الداخلية الحرة يختص بها الإنسان دون الجماد
وهذه النفس التي يملكها تتصف بصفات مختلفة مغايرة لصفت الجماد..فهنا نحن أمام وحدة لا امتداد لها في المكان..
هي الـ ((أنا)) تتصف بالحضور و الديمومة و الشخوص و الكينونة و المثول الدائم في الوعي .. ثم هي تفرض نفسها على الواقع الخارجي و تغيره .. و تفرض نفسها على الجسد و تحكمه و تقوده و تعلو على ضروراته .. فتفرض عليه الصوم و الحرمان اختياراً . بل قد تقوده إلى الموت فداء و تضحية .. مثل هذه النفس لا يمكن أن تكون مجرد ناتج ثانوي من نواتج الجسد و ذيلاً تابعاً له و مادة تطورت منه . مثل هذه النظريات المادية لا تفسر لنا شيئاً .. و إنما لا بد لنا أن نسلم ، النفس عالية على الجسد متعالية عليه و أنها من جوهر مفارق لجوهر ، فهي في واقع الأمر تستخدم الجسد كأداة لأغراضها و مطية لأهدافها كما يستخدم العقل المخ مجرد توصيلة أو سنترال .
و لا بد أن يتداعى إلى ذهننا الاحتمال البديهي من أن هذه النفس لا يمكن أن يجري عليها ما يجري على الجسد من موت و تآكل و تعفن بحكم جوهرها الذي تشعر به متصفاً بالحضور و الديمومة و الشخوص في الوعي طوال الوقت .. فلا تتآكل كما يتآكل الجسد و لا هي تقع كما يقع الشعر و لا هي تبلى كالأسنان .
و إنه لأمر بديهي تماماً أن نتصور بقاءها بعد الموت .

ثلاثين ساعه من اليقظه تجلس ساكناً صامتا تنتظر اللاشيء ، أو تنتظر أحد الخبرين إما سعيداً وإما مميتا ً.
سويعات تشعر أن الدمعات ترتحل من عينيك بلا رجعه ، ترجوها وتتوسل اليها ولكن بلا جدوي .

شعورك بالعجز يفنيك ، تود لو كنت تستطيع أن تعطي لمن تحبهم كل شيء حتي نفسك وروحك ووجودك فقط لو أنهم يبقون .

الإنتظار هو أبغض من تراه في الصبر ، هو مايجعلك تريد وقوع المصيبه وينتهي كل شيء ولكن لا تنتظر وقوعها .

ترحل والطرقات تمحو كل خطوه لك وكأنها تقول لك .. لا تعود .
لا فائده فقد أمر الله ، ولا راد لقضائه .

الغيوم تسير خلفك تكسو السماء بالشفق الاسود ، تكتسي برداء الحداد .
القطط تصدر أصواتا ً جنائزيه .. حزينه .. بارده .. قاسيه .. خاليه من الشفقه.
الشوارع تصنع لحذائك اصداء ترن في أذنيك لتقول لك : لتكن هذه هي المره الأخيره
فلا فائده من مجيئك .

"الموت : هو الوخزه التي تصيب الجسد فيرتعش غضباً فتخرج الروح لتعبر عن ثورتها وتقتص ممن وخزها ولكنها لا تعود فتستسلم لمن وخزها وتستقر في ضيافته .

سرت أحمل هذا الكفن في يدي ، لم أكن أتخيل أني سأحمله يوما ً .
بل وإشتريته بيدي ، سحقتي يا يدي قبل أن تفعلي ذلك .

فماذا يا دموعي ؟؟
حتي الأن تتخلين عني ولا تريدين راحتي .
ماذا تنتظرين وأنتي تشاهديني أتمزق وأوئد بعض أجزائي بيدي ؟؟؟
ما الذي بقي بعد أن دفنت نصف قلبي ؟؟ فقلبي قد بكا نزفاً فماذا عنكِ؟

" إن أسباب الوفاة كثيره ، من بينها وجع الحياه " درويش

تقف بجانب الكثيرين لا تعرف من هم ، لماذا يقفون ، وماذا ينتظرون .
وجوه يكسوها الدموع ويملئوها الحزن ، ويستعمرها الأسى ، ولا تفهم أو تستوعب ماذا حدث ؟؟؟

لماذا ينظرون اليك هكذا ؟؟؟

غشاء علي عينيك ، ستار علي عقلك ، خدراً يغزو حواسك ، تصلب يسيطر علي قدميك ، مسلوب الإراده ، لا تعرف إن كنت حياً أم ميتاً.
تشعر كأنك لازلت تقف منتظراً بين فاصل الحياه والموت .

عائدا تجر قدميك تاره ، وتاره يجرك من بجانبك ، تشعر لأول مره بما يشعره الكفيف ، تشعر وكأنك ملقي علي رصيف وحيداً شريداً كطفل صغير ضاعت منه أمه في الزحام . منزعجاً كطفل خرج لتوه من الرحم ، ولكن لا تستوعب !
كأنك تجري في طريق طويل ليس له نهايه .
كابوس مرير طال أمده.
تتمني لو تغمض جفنيك فينتهي كل شيء .
وتستيقظ لتري أن شيئاً لم يحدث ، وأن كل شيء علي ما يرام.
لكن حتي الكابوس كان قاسياً . تركك لتعاني ويلات الواقع

" أوقات يكون الواقع أشد بشاعه وألما من الخيال "

...........................

أمر بجانب التقويم وأنظر إلي التاريخ فكان يعبر عن أمراً أذكره جيداً ، نعم أذكره بكل وضوح كأنه حدث اليوم .
إنه الثامن والعشرين من شهر مارس
الذكري الثانيه لوفاة والدي . . .

لا أصدق أن عامان قد مرا بسرعه كجوادين يتسابقان .
ولا أصدق أيضا أني مازالت علي قيد الحياه ، ربما أضحك لكي أتناسى ، ولا يعلم أحداً ما وقر في قلبي من حزن.

" لا تحسبن رقصي بينكم طرباً .. فقد يرقص الطير مذبوحاً من الألم"

نعم مازالت علي قيد الحياه ، والوقت يمر .

والألم يصبح خافتاً شيئاً فشيئا ، والحزن باقٍ .

" حقا الأيام كفيله أن تنسيني كل ذكري سيئه مرت بي ، ويوماً بعد يوم تخف حدتها ، فالذكرى السعيده أنساها ولكني أشتاق اليها ولكن لا أشعر بنفس لذتها ، والذكرى المؤلمه أنساها ولكني أذكرها يوماً ، ولكن لا أشعر بنفس مرارتها وحدتها "

وكذلك يمر الوقت وتسير الحياه ، ولازلت أنظر إلي الساعه والتقويم وأتمني أن يتوقفا عن النبض إلي الأبد .


رحمك الله يا والدي وغفر لك والحقك بالصالحين.



هناك تعليق واحد:

ابراهيم خليل يقول...

اللة يفتح عليك أنت بدأت بداية سليمة بداية الأنسان المؤمن بربة وبالحساب وبالعقاب بالحنة والنار .. لذلك لا تعليق فمدونتك أروع ماوقعت علية عينى بها كلمات كالدرر واللؤلؤ تنسج بخيوط ذهبية لا تصطنع .. تحياتى لك واتمنى لك مزيدا من الأبداع ومع التواصل معى على مدونتى (مدونة الشاعر المصرى ابراهيم خليل)... كما أدعوك لزيارة جريدتى (جريدة التل الكبير ورد برس كوم ) ففى التواصل الجديد والعمل الفريد وتقريب البعيد وخلق مناخا الكل منة يستفيد ..(ابراهيم خليل) رئيس تحرير مجلة شموع الأدبية